فصل: ذكر موت عماد الدولة بن بويه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر عصيان جمان بالرحبة

وما كان منه كان جمان هذا من أصحاب توزون وصار في جمة ناصر الدولة بن حمدان فلما كان ناصر الدولة ببغداد في الجانب الشرقي وهو يحارب معز الدولة ضم ناصر الدولة جميع الديلم الذين معه إلى جمان لقلة ثقته بهم وقلده الرحبة وأخرجه إليها فعظم أمره هناك وقصده الرجال فأظهر العصيان على ناصر الدولة وعزم على التغلب على الرقة وديار مضر فسار إلى الرقة فحصرها سبعة عشر يومًا فحاربه أهلها وهزموه ووثب أهل الرحبة بأصحابه وعماله فقتلوهم لشدة ظلمهم وسوء معاملتهم‏.‏

فلما عاد من الرقة وضع السيف في أهلها فقتل منهم مقتلة عظيمة فأرسل إليه ناصر الدولة حاجبه ياروخ في جيش فاقتتلوا على شاطئ الفرات فانهزم جمان فوقع في الفرات فغرق واستأمن أصحابه إلى ياروخ وأخرج جمان من الماء فدفن مكانه‏.‏

  ذكر ملك ركن الدولة طبرستان وجرجان

وفيها في ربيع الأول اجتمع ركن الدولة بن بويه والحسن بن الفيرزان وقصدا بلاد وشمكير فالتقاهما وشمكير وانهزم منهما وملك ركن الدولة طبرستان وسار منها إلى جرجان فملكها واستأمن من قواد وشمكير مائة وثلاثة عشر قائدًا فأقام الحسن بن الفيرزان بجرجان ومضى وشمكير إلى خراسان مستجيرًا ومستنجدًا لإعادة بلاده فكان ما نذكره‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في صفر ظهر كوكب له ذنب طوله نحو ذراعين في المشرق وبقي نحو عشرة أيام واضمحل‏.‏

وفيها مات سلامة الطولوني الذي كان حاجب الخلفاء فأخذ ماله وعياله وسار إلى الشام أيام المستكفي فمات هناك ولما سار عن بغداد أخذ ماله في الطريق ومات هو الآن فذهبت نعمته ونفسه حيث ظن السلامة ولقد أحسن القائل حيث يقول‏:‏ وإذا خشيت من الأمور مقدّرًا فهربت منه فنحوه تتقدّم وفيها توفي محمد بن أحمد بن حماد أبو العباس الأثرم المقرئ‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة

  ذكر ملك معز الدولة الموصل وعوده عنها

في هذه السنة سار معز الدولة من بغداد إلى الموصل قاصدًا لناصر الدولة فلما سمع ناصر الدولة بذلك سار عن الموصل إلى نصيبين ووصل معز الدولة فملك الموصل في شهر رمضان وظلم أهلها وعسفهم وأخذ أموال الرعايا فكثر الدعاء عليه‏.‏

وأراد معز الدولة أن يملك جميع بلاد ناصر الدولة فأتاه الخبر من أخيه ركن الدولة أن عساكر خراسان قد قصدت جرجان والري ويستمده ويطلب منه العساكر فاضطر إلى مصالحة ناصر الدولة فترددت الرسل بينهما في ذلك واستقر الصلح بينهما على أن يؤدي ناصر الدولة عن الموصل وديار الجزيرة كلها والشام كل سنة ثمانية آلاف ألف درهم ويخطب في بلاده لعماد الدولة وركن الدولة ومعز الدولة بني بويه فلما استقر الصلح عاد معز الدولة إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة من السنة‏.‏

  ذكر مسير عسكر خراسان إلى جرجان

في هذه السنة سار منصور بن قراتكين في جيوش خراسان إلى جرجان صحبة وشمكير وبها الحسن بن الفيرزان وكان منصور منحرفًا عن وشمكير في السير فتساهل لذلك مع الحسن وصالحه وأخذ ابنه رهينة‏.‏

ثم بلغ منصورًا أن الأمير نوحًا اتصل بابنة ختكين مولى قراتكين وهو صاحب بست والرخج فساء ذلك منصورًا وأقلقه وكان نوح قد زوج قبل ذلك بنتًا لمنصور من بعض مواليه اسمه فتكين فقال منصور‏:‏ يتزوج الأمير بابنة مولاي وتزوج ابنتي من مولاه فحمله ذلك على

مصالحة الحسن بن الفيرزان وأعاد عليه ابنه وعاد عنه إلى نيسابور وأقام الحسن بزوزن وبقي وشمكير بجرجان‏.‏

  ذكر مسير المرزبان إلى الري

في هذه السنة سار المرزبان محمد بن مسافر صاحب أذربيجان إلى الري‏.‏

وسبب ذلك أنه بلغه خروج عساكر خراسان إلى الري وأن ذلك يشغل ركن الدولة عنه ثم إنه كان أرسل رسولًا إلى معز الدولة فحلق معز الدولة لحيته وسبه وسب صاحبه وكان سفيهًا فعظم ذلك على المرزبان وأخذ في جميع العساكر واستأمن إليه بعض قواد ركن الدولة وأطمعه في الري وأخبره أن من وراءه من القواد يريدونه فطمع لذلك فراسله ناصر الدولة يعد المساعدة ويشير عليه أن يبتدئ ببغداد فخالفه ثم أحضر أباه وأخاه وهسوذان واستشارهما في ذلك فنهاه أبوه عن قصد الري فلم يقبل فلما ودعه بكى أبوه وقال‏:‏ يا بني أين أطلبك بعد يومي هذا قال‏:‏ إما في دار الإمارة بالري وإما بين القتلى‏.‏

فلما عرف ركن الدولة خبره كتب إلى أخويه عماد الدولة ومعز الدولة يستمدهما فسير عماد الدولة ألفي فارس وسير إليه معز الدولة جيشًا مع سبكتكين التركي وأنفذ عهدًا من المطيع لله

لركن الدولة بخراسان فلما صاروا بالدينور خالف الديلم على سبكتكين وكبسوه ليلًا فركب فرس النوبة ونجا واجتمع الأتراك عليه فعلم الديلم أنهم لا قوة لهم به فعادوا إليه وتضرعوا فقبل عذرهم‏.‏

وكان ركن الدولة قد شرع مع المرزبان في المخادعة وإعمال الحيلة فكتب إليه يتواضع له ويعظمه ويسأله أن ينصرف عنه على شرط أن يسلم إليه ركن الدولة زنجان وأبهر وقزوين وترددت الرسل في ذلك إلى أن وصله المدد من عماد الدولة ومعز الدولة وأحضر معه محمد بن عبد الرزاق وأنفذ له الحسن بن الفيرزان عسكرًا مع محمد بن ما كان فلما كثر جمعه قبض على جماعة ممن كان يتهمهم من قواده وسار إلى قزوين فعلم المرزبان عجزه عنه وأنف من الرجوع فالتقيا فانهزم عسكر المرزبان وأخذ أسيرًا وحمل إلى سميرم فحبس بها وعاد ركن الدولة ونزل محمد بن عبد الرزاق بنواحي أذربيجان‏.‏

وأما أصحاب المرزبان فإنهم اجتمعوا على أبيه محمد بن مسافر وولوه أمرهم فهرب منه ابنه وهسوذان إلى حصن له فأساء محمد السيرة مع العسكر فأرادوا قتله فهرب إلى ابنه وهسوذان فقبض عليه وضيق عليه حتى مات ثم تحير وهسوذان في أمره فاستدعى ديسم الكردي لطاعة الأكراد له وقواه وسيره إلى محمد بن عبد الرزاق فالتقيا فانهزم ديسم وقوي ابن عبد الرزاق فأقام بنواحي أذربيجان يجبي أموالها ثم رجع إلى الري سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وكاتب الأمير نوحًا وأهدى له هدية وسأله الصفح فقبل عذره وكاتب وشمكير بمهادنته فهادنه ثم عاد محمد إلى طوس سنة تسع وثلاثين لما خرج منصور إلى الري‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة سار سيف الدولة بن حمدان إلى بلد الروم فلقيه الروم واقتتلوا فانهزم سيف الدولة وأخذ الروم مرعش وأوقعوا بأهل طرسوس‏.‏

وفيها قبض معز الدولة على أسفهدوست وهو خال معز الدولة وكان من أكابر قواده وأقر الناس إليه‏.‏

وكان سبب ذلك أنه كان يكثر الدالة عليه ويعيبه في كثير من أفعاله ونقل عنه أنه كان يراسل المطيع لله في قتل معز الدولة فقبض عليه وسيره إلى رامهرمز فسجنه بها‏.‏

وفيها استأمن أبو القاسم البريدي إلى معز الدولة وقدم بغداد فلقي معز الدولة فأحسن إليه وأقطعه‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة

  ذكر حال عمران بن شاهين

في هذه السنة استفحل أمر عمران بن شاهين وقوي شأنه وكان ابتداء حاله أنه من أهل الجامدة فجبى جبايات فهر إلى البطيحة خوفًا من السلطان وأقام بين القصب والآجام واقتصر على ما يصيده من السمك وطيور الماء قوتًا ثم صار يقطع الطريق على من يسلك البطيحة واجتمع إليه جماعة من الصيادين وجماعة من اللصوص فقوي بهم وحمى جانبه من السلطان فلما خاف أن يقصد استأمن إلى أبي القاسم البريدي فقلده حماية الجامدة ونواحي البطائح وما زال يجمعه الرجال إلى أن كثر أصحابه وقوي واستعد بالسلاح واتخذ معاقل على التلول التي بالبطيحة وغلب على تلك النواحي‏.‏

فلما اشتد أمره سير معز الدولة إلى محاربته وزيره أبا جعفر الصيمري فسار إليه في الجيوش وحاربه مرة بعد مرة واستأسر أهله وعياله وهرب عمران بن شاهين واستتر وأشرف على الهلاك‏.‏

فاتفق أن عماد الدولة بن بويه مات واضطرب جيشه بفارس فكتب معز الدولة إلى الصيمري بالمبادرة إلى شيراز لإصلاح الأمور بها فترك عمران وسار إلى شيراز على ما نذكره في موت عماد الدولة فلما سار الصيمري عن البطائح ظهر عمران بن شاهين من استتاره وعاد إلى أمره وجمع من تفرق عنه من أصحابه وقوي أمره وسنذكر من أخباره فيما بعد ما تدعو

  ذكر موت عماد الدولة بن بويه

في هذه السنة مات عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه بمدينة شيراز في جمادى الآخرة وكانت علته التي مات بها قرحة في كليته طالت به وتوالت عليه الأسقام والأمراض فلما أحس بالموت أنفذ إلى أخيه ركن الدولة يطلب منه أن ينفذ إليه ابنه عضد الدولة فناخسرو ليجعله ولي عهده ووارث مملكته بفارس لأن عماد الدولة لم يكن له ولد ذكر فأنفذ ركن الدولة ولده عضد الدولة فوصل في حياة عمه قبل موته بسنة وسار في جملة ثقات أصحاب ركن الدولة فخرج عماد الدولة إلى لقائه في جميع عسكره وأجلسه في داره على السرير ووقف هو بين يديه وأمر الناس بالسلام على عضد الدولة والانقياد له وكان يومًا عظيمًا مشهودًا‏.‏

وكان في قواد عماد الدولة جماعة من الأكابر يخافهم ويعرفهم بطلب الرئاسة وكانوا يرون أنفسهم أكبر منه نفسًا وبيتًا وأحق بالتقدم وكان يداريهم فلما جعل ولد أخيه في الملك خافهم عليه فأفناهم بالقبض وكان منهم قائد كبير يقال له شيرنحين فقبض عليه فشفع فيه أصحابه وقواده فقال لهم‏:‏ أني أحدثكم عنه بحديث فإنه رأيتم أن أطلقه فعلت فحدثهم أنه كان في خراسان في خدمة نصر بن أحمد ونحن شرذمة قليلة من الديلم ومعنا هذا فجلس يومًا نصر وفي خدمته من مماليكه ومماليك أبيه بضعة عشر ألفًا سوى سائر العسكر فرأيت شيرنحين هذا قد جرد سكينًا معه ولفه في كسائه فقلت‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ أريد أن أقتل هذا الصبي يعني نصرًا ولا أبالي بالقتل بعده فإني قد أنفت نفسي من القيام في خدمته‏.‏

وكان عمر نصر بن أحمد يومئذ عشرين سنة وقد خرجت لحيته فعلمت أنه إذا فعل ذلك لم يقتل وحده بل نقتل كلنا فأخذت بيده وقلت له‏:‏ بيني وبينك حديث فمضيت به إلى ناحية وجمعت الديلم وحدثتم حديثه فأخذوا منه السكين فتريدون مني بعد أن سمعتم حديثه في معنى نصر أن أمكنه من الوقوف بين يدي هذا الصبي يعني ابن أخي فأمسكوا عنه وبقي محبوسًا حتى مات في محبسه‏.‏

ومات عماد الدولة وبقي عضد الدولة بفارس فاختلف أصحابه فكتب معز الدولة إلى وزيره الصيمري بالمسير إلى شيراز وترك محاربة عمران بن شاهين فسار إلى فارس ووصل ركن الدولة أيضًا واتفقا على تقرير قاعدة عضد الدولة وكان ركن الدولة قد استخلف على الري علي بن كامة وهو من أعيان أصحابه ولما وصل ركن الدولة إلى شيراز ابتدأ بزيارة قبر أخيه بإصطخر فمشى حافيًا حاسرًا ومعه العساكر على حاله ولزم القبر ثلاثة أيام إلى أن سأله القواد الأكابر ليرجع إلى المدينة فرجع إليها وأقام تسعة أشهر وأنفذ إلى أخيه معز الدولة وكان عماد الدولة في حياته هو أمير الأمراء فلما مات صار أخوه ركن الدولة أمير الأمراء وكان معز الدولة هو المستولي على العراق والخلافة وهو كالنائب عنهما وكان عماد الدولة كريمًا حليمًا عاقلًا حسن السياسة للملك والرعية وقد تقدم من أخباره ما يدل على عقله وسياسته‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في جمادى الآخرة قلد أبو السائب عتبة بن عبدالله قضاء القضاة ببغداد‏.‏

وفيها في ربيع الآخر مات المستكفي بالله في دار السلطان وكانت علته نفث الدم‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

  ذكر موت الصيمري ووزارة المهلبي

في هذه السنة توفي أبو جعفر محمد بن أحمد الصيمري وزير معز الدولة بأعمال الجامدة وكان قد عاد من فارس إليها وأقام يحاصر عمران ابن شاهين فأخذته حمى حادة مات منها‏.‏

واستوزر معز الدولة أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي في جمادى الأولى وكان يخلف الصيمري بحضرة معز الدولة فعرف أحوال الدولة والدواوين فامتحنه معز الدولة فرأى فيه ما يريده من الأمانة والكفاية والمعرفة بمصالح الدولة وحسن السيرة فاستوزره ومكنه من وزارته فأحسن السيرة وأزال كثيرًا من المظالم خصوصًا بالبصرة فإن البريديين كانوا قد أظهروا فيها كثيرًا من المظالم فأزالها وقرب أهل العلم والأدب وأحسن إليهم وتنقل في البلاد لكشف ما فيها من المظالم وتخليص الأموال فحسن أثره رحمه الله تعالى‏.‏

  ذكر غزو سيف الدولة بلاد الروم

في هذه السنة دخل سيف الدولة بن حمدان إلى بلاد الروم فغزا وأوغل فيها وفتح حصونًا كثيرًا وسبى وغنم فلما أراد الخروج من بلد الروم أخذوا عليه المضايق فهلك من كان معه من المسلمين أسرًا وقتلًا واسترد الروم الغنائم والسبي وغنموا أثقال المسلمين وأموالهم ونجا سيف الدولة في عدد يسير‏.‏

  ذكر إعادة القرامطة الحجر الأسود

في هذه السنة أعاد القرامطة الحجر الأسود إلى مكة وقالوا‏:‏ أخذناه بأمر وأعدناه بأمر‏.‏

وكان بجكم قد بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يجيبوه وردوه الآن بغير شيء في ذي القعدة فلما أرادوا رده حملوه إلى الكوفة وعلقه بجامعها حتى رآه الناس ثم حملوه إلى مكة

وكانوا أخذوه من ركن البيت الحرام سنة سبع عشرة وثلاثمائة وكان مكثه عندهم اثنتين وعشرين سنة‏.‏

  ذكر مسير الخراسانيين إلى الري

في هذه السنة سار منصور بن قراتكين من نيسابور إلى الري في صفر أمره الأمير نوح بذلك وكان ركن الدولة ببلاد فارس على ما ذكرناه فوصل منصور إلى الري وبها علي بن كامة خليفة ركن الدولة فسار علي عنها إلى أصبهان ودخل منصور الري واستولى عليها وفرق العساكر في البلاد فملكوا بلاد الجبل إلى قرميسين وأزالوا عنها نواب ركن الدولة واستولوا على همذان وغيرها‏.‏

فبلغ الخبر إلى ركن الدولة وهو بفارس فكتب إلى أخيه معز الدولة يأمره بإنفاذ عسكر يدفع تلك العساكر عن النواحي المجاورة للعراق فسير سبكتكين الحاجب في عسكر ضخم من الأتراك والديلم والعرب فلما سار سبكتكين عن بغداد خلف أثقاله وأسرى جريدة إلى من بقرميسين من الخراسانيين فكبسهم وهم غارون فقتل فيهم وأسر مقدمهم من الحمام واسمه بجكم الخمارتكيني فأنفذه مع الأسرى إلى معز الدولة فحبسه مدة ثم أطلقه‏.‏

فلما بلغ الخراسانية ذلك اجتمعوا إلى همذان فسار سبكتكين نحوهم ففارقوا همذان ولم يحاربوه ودخل سبكتكين همذان وأقام بها إلى أن ورد عليه ركن الدولة في شوال‏.‏

وسار منصور من الري في العساكر نحو همذان وبها ركن الدولة فلما بقي بينهما مقدار عشرين فرسخًا عدل منصور إلى أصبهان ولو قصد همذان لانحاز ركن الدولة عنه وكان ملك البلاد بسبب اختلاف كان في عسكر ركن الدولة ولكنه عدل عنه لأمر يريده الله تعالى وتقدم ركن الدولة إلى سبكتكين بالمسير في مقدمته فلما أراد المسير شغب عليه بعض الأتراك مرة بعد أخرى فقال ركن الدولة‏:‏ هؤلاء أعداؤنا ومعنا والرأي أن نبدأ بهم فواقعهم واقتتلوا فانهزم الأتراك‏.‏

وبلغ الخبر إلى معز الدولة فكتب إلى ابن أبي الشوك الكردي وغيره يأمرهم بطلبهم والإيقاع بهم فطلبوهم وأسروا منهم وقتلوا ومضى من سلم منهم إلى الموصل وسار ركن الدولة نحو أصبهان ووصل ابن قراتكين إلى أصبهان فانتقل من كان بها من أصحاب ركن الدولة وأهله وأسبابه وركبوا الصعب والذلول حتى البقر والحمير وبلغ كراء الثور والحمار إلى خان لنجان مائة درهم وهي على تسعة فراسخ من أصبهان فلم يمكنهم مجاورة ذلك الموضع ولو سار إليهم منصور لغنمهم وأخذ ما معهم وملك ما وراءهم إلا أنه دخل أصبهان وأقام بها‏.‏

ووصل ركن الدولة فنزل بخان لنجان وجرت بينهما حروب عدة أيام وضاقت الميرة على الطائفتين وبلغ بهم الأمر إلى أن ذبحوا دوابهم ولو أمكن ركن الدولة الانهزام لفعل ولكنه تعذر عليه ذلك واستشار وزيره أبا الفضل بن العميد في بعض الليالي في الهرب فقال له‏:‏ لا ملجأ لك إلا الله تعالى فانو للمسلمين خيرًا وصمم العزم على حسن السيرة والإحسان إليهم فإن الحيل البشرية كلها تقطعت بنا وأن انهزمنا تبعونا وأهلكونا وهم أكثر منا فلا يفلت منا أحد فقال له‏:‏ قد سبقتك إلى هذا‏.‏

فلما كان الثلث الأخير من الليل أتاهم الخبر أن منصورًا وعسكره قد عادوا إلى الري وتركوا خيامهم وكان سبب ذلك أن الميرة والعلوفة ضاقت عليهم أيضًا إلا أن الديلم كانوا يصبرون ويقنعون بالقليل من الطعام وإذا ذبحوا دابة أو جملًا اقتسمه الخلق الكثير منهم وكان الخراسانية بالضد منهم لا يصبرون ولا يكفيهم القليل فشغبوا على منصور واختلفوا وعادوا إلى الري فكان عودهم في المحرم سنة أربعين فأتى الخبر ركن الدولة فلم يصدقه حتى تواتر عنده فركب هو وعسكره واحتوى على ما خلفه الخراسانية‏.‏

حكى أبو الفضل بن العميد قال‏:‏ استدعاني ركن الدولة تلك الليلة الثلث الأخير وقال لي‏:‏ قد رأيت الساعة في منامي كأني على دابتي فيروز وقد انهزم عدونا وأنت تسير إلى جانبي وقد جاءنا الفرج من حيث لا نحتسب فمددت عيني فرأيت على الأرض خاتمًا فأخذته فإذا فصه من فيروزج فجعلته في إصبعي وتبركت به وانتبهت وقد أيقنت بالظفر فإن الفيروزج معناه الظفر ولذلك لقب الدابة فيروز‏.‏

قال ابن العميد‏:‏ فأتانا الخبر والبشارة بأن العدو قد رحل فما صدقنا حتى تواترت الأخبار فركبنا ولا نعرف سبب هربهم وسرنا حذرين من كمين وسرت إلى جانب ركن الدولة وهو على فرسه فيروز فصاح ركن الدولة بغلام بين يديه‏:‏ ناولني ذلك الخاتم فأخذ خاتمًا من الأرض فناوله إياه فإذا هو فيروزج فجعله في أصبعه وقال‏:‏ هذا تأويل رؤياي وهذا الخاتم الذي رأيت منذ ساعة‏.‏

وهذا من أحسن ما يحكى وأعجبه‏.‏

  ذكر أخبار عمران بن شاهين وانهزام عساكر معز الدولة

وقد ذكرنا حال عمران بن شاهين بعد مسير الصيمري عنه وأنه زاد قوة وجرأة فأنفذ معز الدولة إلى قتاله روزبهان وهو من أعيان عسكره فنازله وقاتله فطاوله عمران وتحصن منه في مضايق البطيحة فضجر روزبهان وأقدم عليه طالبًا للمناجزة فاستظهر عليه عمران وهزمه وأصحابه وقتل منهم وغنم جميع ما معهم من السلاح وآلات الحرب فقوي بها وتضاعفت قوته فطمع أصحابه في السلطان فصاروا إذا اجتاز بهم أحد من أصحاب السلطان يطلبون منه البذرقة والخفارة فإن أعطاهم وإلا ضربوه واستخفوا به وشتموه‏.‏

وكان الجند لا بد لهم من العبور عليهم إلى ضياعهم ومعايشهم بالبصرة وغيرها ثم انقطع الطريق إلى البصرة إلا على الظهر فشكا الناس ذلك إلى معز الدولة فكتب إلى المهلبي بالمسير إلى واسط لهذا السبب وكان بالبصرة فأصعد إليها وأمده معز الدولة بالقواد والأجناد والسلاح وأطلق يده في الإنفاق فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران وسد المذاهب عليه فانتهى إلى المضايق لا يعرفها إلا عمران وأصحابه وأحب روزبهان أن يصيب المهلبي ما أصابه من الهزيمة ولا يستبد بالظفر والفتح وأشار على المهلبي بالهجوم على عمران فلم يقبل منه فكتب إلى معز الدولة يعجز المهلبي ويقول‏:‏ إنه يطاول لينفق الأموال ويفعل ما يريد فكتب معز الدولة بالعتب والاستبطاء فترك المهلبي الحزم وما كان يريد أن يفعله ودخل بجميع عسكره وهجم على مكان عمران وكان قد جعل الكمناء في تلك المضايق وتأخر روزبهان ليسلم عند الهزيمة‏.‏

فلما تقدم المهلبي خرج عليه وعلى أصحابه الكمناء ووضعوا فيهم السلاح فقتلوا وغرقوا وأسروا وانصرف روزبهان سالمًا هو وأصحابه وألقى المهلبي نفسه في الماء فنجا سباحةً وأسر عمران القواد والأكابر فاضطر معز الدولة إلى مصالحته وإطلاق من عنده من أهل عمران وإخوته فأطلق عمران من في أسره من أصحاب معز الدولة وقلده معز الدولة البطائح فقوي واستفحل أمره‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ليلة يوم السبت رابع عشر ذي الحجة طلع القمر منكسفًا وانكسف جميعه‏.‏

وفيها في المحرم توفي أبو بكر محمد بن أحمد بن قرابة بالموصل وحمل تابوته إلى بغداد‏.‏

وفيها توفي أبو نصر محمد بن محمد الفارابي الحكيم الفيلسوف صاحب التصانيف فيها وكان موته بدمشق وكان تلميذ يوحنا بن حيلان وكانت وفاة يوحنا أيام المقتدر بالله‏.‏

وفيها مات أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي النحوي وقيل سنة أربعين‏.‏

  ثم دخلت سنة أربعين وثلاثمائة

  ذكر وفاة منصور بن قراتكين وأبي المظفر بن محتاج

في هذه السنة مات منصور بن قراتكين صاحب الجيوش الخراسانية في شهر ربيع الأول بعد عوده من أصبهان إلى الري فذكر العراقيون أنه أدمن الشرب عدة أيام بلياليها فمات فجأةً وقال الخراسانيون إنه مرض ومات والله أعلم‏.‏

ولما مات رجعت العساكر الخراسانية إلى نيسابور وحمل تابوت منصور ودفن إلى جانب والده باسبيجاب‏.‏

ومن عجيب ما يحكى أن منصورًا لما سار من نيسابور إلى الري سير غلامًا له إلى اسبيجاب ليقيم في رباط والده قراتكين الذي فيه قبره فلما ودعه قال‏.‏

كأنك بي قد حملت في تابوت إلى تلك البرية فكان كما قال بعد قليل مات وحمل تابوته إلى ذلك الرباط ودفن عند قبر والده‏.‏

وفيها توفي أبو المظفر بن أبي علي بن محتاج ببخارى كان قد ركب دابة أنفذها إليه أبوه فألقته وسقطت عليه فهشمته ومات من يومه وذلك في ربيع الأول وعظم موته على الناس كافة وشق موته على الأمير نوح وحمل إلى الصغانيان إلى والده أبي علي وكان مقيمًا بها‏.‏

  ذكر عود أبي علي إلى خراسان

و في هذه السنة أعيد أبو علي بن محتاج إلى قيادة الجيوش بخراسان وأمر بالعود إلى نيسابور‏.‏

وكان سبب ذلك أن منصور بن قراتكين كان قد تأذى بالجند واستصعب إيالتهم وكانوا قد استبدوا بالأمور دونه وعاثوا في نواحي نيسابور فتواترت كتبه إلى الأمير نوح بالاستعفاء من ولايتهم ويطلب أن يقتصر به على هراة ويولى ما بيده من أراد نوح فكان نوح يرسل إلى أبي علي يعده بإعادته إلى مرتبته فلما توفي منصور أرسل الأمير نوح إلى أبي علي الخلع واللواء وأمره بالمسير إلى نيسابور وأقطعه الري وأمره بالمسير إليها فسار عن الصغانيان في شهر رمضان واستخلف مكانه ابنه أبا منصور ووصل إلى مرو وأقام بها إلى أن أصلح أمر خوارزم وكانت شاغرة وسار إلى نيسابور فوردها في ذي الحجة فأقام بها‏.‏

  ذكر الحرب بصقلية بين المسلمين والروم

كان المنصور العلوي صاحب إفريقية قد استعمل على صقلية سنة ست وثلاثين وثلاثمائة الحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي فدخلها واستقر بها كما ذكرناه وغزا الروم الذين بها عدة غزوات فاستمدوا ملك قسطنطينية فسير إليهم جيشًا كثيرًا فنزلوا أذرنت فأرسل الحسن بن علي إلى المنصور يعرفه الحال فسير إليه جيشًا كثيفًا مع خادمه فرح فجمع الحسن جنده مع الواصلين وسار إلى ريو وبث السرايا في أرض قلورية وحاصر الحسن جراجة أشد حصار

فأشرف أهلها على الهلاك من شدة العطش ولم يبق إلا أخذها فأتاه الخبر أن عسكر الروم واصل إليه فهادن أهل جراجة على مال يؤدونه وسار إلى الروم فلما سمعوا بقربه منهم انهزموا بغير قتال وتركوا أذرنت‏.‏

ونزل الحسن على قلعة قسانة وبث سراياه تنهب فصالحه أهل قسانة على مالٍ ولم يزل كذلك إلى شهر ذي الحجة وكان المصاف بين المسلمين وعسكر قسطنطينية ومن معه من الروم الذين بصقلية ليلة الأضحى واقتتلوا واشتد القتال فانهزم الروم وركبهم المسلمون يقتلون ويأسرون إلى الليل وغنموا جميع أثقالهم وسلاحهم ودوابهم وسير الرؤوس إلى مدائن صقلية وإفريقية وحصر الحسن جراجة فصالحوه على مال يحملونه ورجع عنهم وسير سرية إلى مدينة بطرقوقة ففتحوها وغنموا ما فيها ولم يزل الحسن بجزيرة صقلية إلى سنة إحدى وأربعين فمات المنصور فسار عنها إلى إفريقية واتصل بالمعز بن المنصور واستخلف على صقلية ابنه أبا الحسين أحمد‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة رفع إلى المهلبي أن رجلًا يعرف بالبصري مات ببغداد وهم مقدم القراقرية يدعي أن روح أبي جعفر محمد بن علي بن أبي القراقر قد حلت فيه وأنه خلف مالًا كثيرًا كان يجيبه من هذه الطائفة وأن له أصحابًا يعتقدون ربوبيته وأن أرواح الأنبياء والصديقين حلت فيهم فأمر بالختم على التركة والقبض على أصحابه والذي قام بأمرهم بعده فلم يجد إلا مالًا يسيرًا ورأى دفاتر فيها أشياء من مذاهبهم‏.‏

وكان فيهم غلام شاب يدعي أن روح علي بن أبي طالب حلت فيه وامرأة يقال لها فاطمة تدعي أن روح فاطمة حلت فيها وخادم لبني بسطام يدعي أنه ميكائيل فأمر بهم المهلبي فضربوا ونالهم مكروه ثم إنهم توصلوا بمن ألقى إلى معز الدولة أنهم من شيعة علي بن أبي طالب فأمر بإطلاقهم وخاف المهلبي أن يقيم على تشدده في أمرهم فينسب إلى ترك التشيع فسكت عنهم‏.‏

و في هذه السنة توفي عبدالله بن الحسين بن لال أبو الحسن الكرخي الفقيه الحنفي المشهور في شعبان ومولده سنة ستين ومائتين وكان عابدًا معتزليًا‏.‏

وفيها توفي أبو جعفر الفقيه ببخارى‏.‏